القائمة الرئيسية

الصفحات

الصيام وحقوق العباد للداعية الإسلامي الدكتور أسامة مختار


أيام قلائل ويقبل علينا ضيف عزيز كريم مبارك ، يقبل علينا ذلك الضيف بأنفاسه الخاشعة الزكية ورحماته المباركة الندية وأنواره الساطعة الجلية إنه شهر القرآن إنه شهر الصيام والقيام إنه شهر الجود والبر والإحسان شهر الرحمة والمغفرة العتق من النيران إنه شهر رمضان فكل عام وأنتم بخير ونسأل الله تبارك وتعالى أن يهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام وأن يجعله هلال يمن وخير وأن يجعله شهرا يرفع فيه الضر والبلاء عن سائر بلاد المسلمين أمين يارب العالمين ومع استقبال هذا الشهر العظيم يتنافس المسلمون في كل عام في ذكر فضائل رمضان والتذكير بنفحات وبركات شهر رمضان المبارك والتي نعرفها جميعا ونحفظها عن ظهر قلب .

ولذلك رأينا أنه من الأجدر بنا الآن أن نؤكد على بعض الثوابت الهامة ونصحح بعض المفاهيم الخاطئة المرتبطة بشهر رمضان المبارك وأول هذه الثوابت هو أن نعقد النية من الآن على صيام شهر رمضان المبارك صياما تستقيم معه سرائرنا فنترفع فيه عن كل شيء يفسد علينا صيامنا من كلمة فاحشة أو نظرة باطلة أو استماع لشيء محرم أو صرف لنهار رمضان أو ليله في لهو أو عبث لا يجدي، فدقائق رمضان دقائق غالية وأنفاس رمضان أنفاس مباركة والمؤمن الحقيقي هو الذي يغتنم هذه الدقائق الغالية وهذه الأنفاس المباركة في طاعة الله جل في علاه . 

يجب علينا كذلك أن نعقد النية أيضاً على قيام شهر رمضان قياما لا رياء فيه ولا سمعة قياما خالصاً لوجهه الكريم وذلك حتى نصل ثواب صيام نهار رمضان بثواب قيام ليله فنكون بذلك قد بذلنا أوقاتنا كلها في طاعة الله ، أما عن المفاهيم الخاطئة التي تتعلق بشهر رمضان فهي كثيرة جدا ومتراكمة لسنوات طويلة حاول فيها أعداء الإسلام تكوين عادات وسلوكيات لدى المسلمين تتعلق بشهر رمضان تبعد المسلمين عن الهدف الأسمى الذي من أجله فرض صيام رمضان .

 فمن المسلمين من يعتقد أن شهر رمضان شهرا للطعام والشراب والتمتع بما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات لدرجة أن كثيرا من المسلمين يأكلون في رمضان أضعاف أضعاف ما يأكلون في غيره ويشترون من الأطعمة في رمضان ما لايستطيعون شراءه أو أكله في غير رمضان وهذه من المفاهيم الخاطئة المنتشرة بين المسلمين فالله تعالى يقول في كتابه العزيز وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لايحب المسرفين وهذا الأمر الإلهي بعدم الإسراف في الطعام والشراب محمول على جميع الوجبات الغذائية في جميع الأيام فما بالك بشهر رمضان الذي هو في الأساس شهرا للصيام .

 ومنا من يعتبر شهر رمضان شهرا للسهر والمرح والتسالي فيقضي نهاره نائما ويقضي ليله في لهو وعبث لا يجدي فيضيع ليالي رمضان المباركة من غير أن يجمع منها شيئا لآخرته .

 ومنا من يعتبر شهر رمضان شهرا للخمول والكسل وليس شهرا للجهاد والعمل ولو كان شهر رمضان شهراً للخمول او الكسل ما فرض الله تعالى الجهاد على المسلمين في رمضان ولا انتصر المسلمون في كثير من المعارك التي خاضوها في شهر رمضان وتحقق النصر فيها للمسلمين وهم صائمون ، فهذه كلها من المفاهيم الخاطئة التي اعتاد عليها كثير من المسلمين في رمضان ولذلك إذا أردنا حقيقة أن ننوي صيام رمضان صياما تستقيم معه سرائرنا فإن أول شيء يجب علينا فعله هو أن نتوب إلى الله تعالى من صيام العادة وننوي بدلا منه صيام العبادة .

 خير ما نستقبل به شهر رمضان المبارك هو التوبة النصوح التوبة الصادقة التي نعقد العزم معها ألا نعود إلى الذنوب والمعاصي أبداً وخاصة إذا كانت هذه الذنوب تتعلق بحقوق العباد لأن حقوق العباد لا توبة منها إلا بأدائها لأصحابها فالتوبة النصوح هي التوبة التي تدفعنا دفعا لرد الحقوق لأصحابها إذا كنا حقاً نريد أن نستقبل شهر رمضان استقبالا يليق بعظمته وإلا فما قيمة صيامك أو نيتك بصيام رمضان وأنت ظالم للناس في حقوقهم ما قيمة صيامك وأنت مغتصب لأرض أو مال ليس من حقك ما قيمة صيامك وزكاتك وأنت تصوم بالنهار وتفطر من مال منهوب أو مغتصب ما قيمة صيامك وأنت تحتكر السلع والبضائع لترفع سعرها مستغلا للأزمة التي نعيشها.

 ما قيمة صيامك وأنت تساهم في تضييق المعيشة على الناس، ما قيمة صيامك وأنت تهمل في عملك ولا تؤديه بحجة إنك صائم، إن الصيام هو الإمتناع والرفعة الإمتناع عن الطعام الحلال والشراب الحلال فهل تصوم عن الطعام الحلال لتفطر على مال منهوب أو مسروق أو مغتصب أو مأخوذ بغير وجه حق أو مأخوذ بقوة ونفوذ وظيفتك التي خنت فيها الأمانة ما قيمة صيامك وأنت خائن للأمانة التي أئتمنك الله عليها في عملك .

ما قيمة صيامك وأنت تلقي بالقمامة في عرض الطريق فتؤذي بها الناس ما قيمة صيامك وأنت قاطع لرحمك ما قيمة صيامك وأنت لا تبر والديك أو مهمل في تربية أولادك أو تسيء إلى جيرانك ما قيمة صيامك إن لم تتخلق بالأخلاق الإسلامية العظيمة فالله تعالى يقول في كتابه العزيز كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ..فالهدف الأسمي من فرض الصيام هو تحقيق التقوى والتقوى كما عرفها الإمام علي كرم الله وجهه هي الخوف من الجليل والرضا بالقليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل فهل يخاف من الجليل من يأكل حقوق الناس وهل يستعد ليوم الرحيل من لا يراعي ربه في أمانته ومسئوليته التي ائتمنه الله تعالى عليها .

 إننا بحاجة لمراجعة أنفسنا وتغيير نمط صيامنا حتى نخرج به من دائرة صيام العادة إلى صيام العبادة.

تعليقات

التنقل السريع