المحامي نادر الصيرفي |
لا تعرف الشريعة المسيحية الطلاق بالإرادة المنفردة ابتداء، ذلك بالنظر إلى الطبيعة الخاصة للزواج عندهم، كونه نظاماً دينياً وعقداً أبدياً، ومع ذلك يستطيع المسيحي المختلف عن زوجته في الطائفة أو الملة ايقاع الطلاق بالإرادة المنفردة لفظاً، إلا أن هذا الطلاق يظل عديم الأثر القانوني حتى يتم اثباته، وأما إذا تم اثبات الطلاق، فتثور عدة تساؤلات تتعلق بأثر ذلك على حقوق المرأة الباقية على ملتها، وحق الزوج في مراجعتها حينئذ ودور الرئاسة الدينية من التصديق على الصلح إن تم أو الموافقة على الزواج الثاني بعد الطلاق؟
أولاً : اثبات الطلاق عند الانكار وفقاً للقواعد العامة :
عملاً بالمادتان 21 ، 22 من القانون رقم (1) لسنة 2000
لا يعتد في إثبات الطلاق عند الإنكار، إلا بالإشهاد والتوثيق.
يجب على الموثق توثيق الطلاق إذا قرر الزوجان أن الطلاق قد وقع أو إذا قرر ذلك الزوج وحده.
لا يقبل عند الإنكار ادعاء الزوج مراجعة مطلقته، ما لم يخطرها بورقة رسمية قبل انقضاء عدتها.
إذا وقع الطلاق بغير رضا من الزوجة، تستحق المتعة.
ثانياً : الأساس القانوني لصدور الحكم في دعوى اثبات الطلاق للمسيحيين:
عملاً بالمادة الثالثة – إصدار – من القانون رقم (1) لسنة 2000 والفقرة الأخيرة من المادة (17) من ذات القانون.
الأصل أن تصدر الأحكام وفقاً للائحة الأقباط الأرثوذكس الصادرة عام 1938.
واستثناء من هذه القاعدة يطبق أرجح الأقوال في مذهب الأمام أبي حنيفة في شأن ما لم يرد فيه نص خاص بتلك اللائحة.
ومع ذلك يجوز للمسيحيين مختلفي الملة أو الطائفة طلب الحكم بإثبات الطلاق، ولو لم تكن شريعتهم تجيزه.
ثالثاً : رفع دعوى إثبات الطلاق ونظرها :
ترفع الدعوى بالإجراءات المعتادة وفقاً للقواعد العامة، بقيد صحيفتها بقلم كتاب المحكمة المختصة، بعد ثبوت عدم اختصاص مكاتب تسوية المنازعات الأسرية بها، كونها من دعاوى الاثبات التي لا يجوز فيها الصلح .
المدعي في هذه الدعوى هو الزوج المسيحي الذي أوقع الطلاق لفظاً على زوجته المسيحية، والمدعى عليها هي الزوجة.
يدعي الزوج بتمام الطلاق، ويطلب من المحكمة مجرد الحكم بإثباته.
للزوجة رفع دعوى اثبات الطلاق، إذا اثبتت اختلاف ملتها عن زوجها، وأنه قد أوقع عليها يمين الطلاق، وتلزمه بتقديم شهادة انضمامه لطائفة جديدة طبقاً لنص المادة (20) من قانون الاثبات، أما إذا غير الزوج ملته دون ايقاع الطلاق لفظاً، فللزوجة أن تطلب الخلع وفقاً للمادة (20) من القانون رقم (1) لسنة 2000.
رابعاً : وسائل الاثبات في دعوى اثبات الطلاق:
يثبت المدعى أنه يختلف مع المدعى عليها في الملة والطائفة، ويكون ذلك من خلال :
تقديم عقد الزواج بينه وبين المدعى عليها، الذي يثبت اتحادهما في الملة والطائفة وقت الزواج، ويقوم مقام ذلك شهادة اتحاد الملة والطائفة المقدمة من كنيسة عقد الزواج.
تقديم المدعي شهادة من رئاسة الطائفة التي قبلت انضمامه إليها في تاريخ لاحق لتاريخ زواجه من المدعية تفيد ممارسته للشعائر الدينية لتلك الطائفة.
يطلب المدعي احالة الدعوى للتحقيق لاثبات تلفظه بلفظ الطلاق أمام شهود وفقاً للمستقر عليه بأحكام محكمة النقض.
خامساً : دور القاضي في اثبات الطلاق :
لا يحكم القاضي بالتطليق بل يحكم بإثبات الطلاق من تاريخ ايقاعه، ويقتصر دور القاضي في هذه الدعوى على التأكد من :
أن طائفة المدعى والمدعى عليها من الطوائف المسيحية المعترف بها من الحكومة المصرية قبل صدور القانون 462 لسنة 1955 ويكون ذلك من خلال الاستعلام من مديرية الأمن المختصة أو نيابة الأسرة المختصة.
أن طائفة أو ملة المدعى الجديدة من الطوائف التي تدين بالطلاق، أي أنها طائفة لا تتبع الكنيسة الكاثوليكية.
أن الاختلاف الحاصل بين المدعي والمدعى عليها في الملة أو الطائفة قد وقع قبل تاريخ رفع الدعوى، لذلك لا تستطيع المدعى عليها دفع الدعوى بحجة انضمامها لذات طائفة المدعى عليه بعد تاريخ رفع الدعوى.
ليس من سلطة القاضي دفع الدعوى على سند من أن المدعي لم يخطر الطائفة التي تركها بانضمامه إلى طائفة جديدة.
سادساً : دفوع المدعى عليها في دعوى اثبات الطلاق :
تمام وقوع الطلاق وفقاً للشريعة الاسلامية بالنسبة للمسلمين والمسيحيين المختلفي الطائفة أو الملة لا يتوقف موافقة أو رضاء الزوجة، ويكفي علمها بوقوع الطلاق، ويتحقق هذا العلم بمجرد اعلانها بصحيفة دعوى اثبات الطلاق، ما لم يكن الطلاق قد وقع في مواجهتها، ومع ذلك فللمدعية أن تدفع الدعوى بالأتي :
صورية اختلاف الملة والطائفة، وهو الأمر الذي يعني اتحادهما في الملة والطائفة، مما يعني عدم جواز ايقاع الطلاق لفظاً طبقاً للمادة (50) من لائحة الأقباط الأرثوذكس.
مراجعة الزوج لها أو معاشرتها معاشرة الأزواج في تاريخ لاحق لتلفظه بالطلاق.
سابعاً : الأثار المترتبة على حكم اثبات الطلاق :
يترتب على الحكم الصادر بإثبات الطلاق انحلال الرابطة الزوجية بين المدعي والمدعى عليها من تاريخ وقوع الطلاق وليس من تاريخ الحكم في الدعوى، الأمر الذي يترتب عليه زوال حقوقهما وواجباتهما قبل الأخر، فلا يرث أحدهما الأخر، ويسقط حق المدعى عليها في النفقة الزوجية، ومع ذلك:
يبدأ احتساب عدة المدعى عليها وهي ثلاثة حيضات كوامل أو ثلاثة أشهر ما لم تضع حملها قبل ذلك التاريخ، ومع ذلك تستطيع الزوجة المسيحية التمسك في دعوى العدة بأن عدتها لم تنتهي إلا بعد مرور عشرة أشهر ميلادية طبقاً لنص المادة (26) من لائحة الأقباط، ولها أن تطلب نفقتها عن هذه الفترة.
للمدعى عليها أن ترفع دعوى المتعة خلال سنة من تاريخ الحكم بإثبات الطلاق، وإلا سقط الحق فيها.
للمدعى عليها أن ترفع دعوى التعويض طبقاً للقواعد العامة، إذا توافرت شروطها.
يتم توثيق هذا الحكم باعتباره طلاقاً مدنياً، فلا يجوز لأي من الزوجين الزواج إلا إذا توافرت شروطه ومنها موافقة الرئاسة الدينية وفقاً للمادة رقم (15) من لائحة الأقباط الأرثوذكس، مع ذلك لا يوجد ما يمنع الرجل عن الزواج في طائفته الجديدة.
لا يجيز الحكم بإثبات الطلاق تعدد الزوجات بالنسبة للرجل، بحجة أن الطلاق قد وقع وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية لتعارض الأمر مع النظام العام وفقاً للفقرة الأخيرة من المادة الثالثة من مواد اصدار القانون رقم (1) لسنة 2000
ثامناً : مدى امكانية مراجعة الزوج المسيحي لزوجته دون موافقتها بعد الطلاق :
وفقاً للقواعد العامة، إذا أراد الزوج مراجعة زوجته بعد تلفظه بالطلاق، يتعين عليه أن يعلنها بهذه المراجعة بورقة رسمية قبل انقضاء ستين يوم لمن تحيض وتسعين يوماً إذا لم تكن من ذي الحيض، عملاً بنص المادة (22) من القانون رقم (1) لسنة 2000
وهذا يثير التساؤل حول الفرق بين حالة وقوع الطلاق لفظاً دون اقامة الدعوى بإثباته، وحالة رفع الدعوى وصدور الحكم فيها، حيث يحق للزوج المسيحي مراجعة زوجته دون موافقتها إذا لم يرفع دعوى بإثبات هذا الطلاق أو إذا تنازل عنها خلال فترة العدة، ذلك لأن هذا الطلاق يكون عديم الأثر ما لم يصدر الحكم بإثباته.
أما الصعوبة فتأتي في الفرض الذي يصدر فيه الحكم بإثبات الطلاق قبل مرور فترة العدة، والراجح أن حجية حكم اثبات الطلاق تحول دون تقرير تلك المراجعة، وليس للزوج في هذه الحالة إلا رفع دعوى قضائية مبتدأة يطلب فيها المراجعة، وهذه الدعوى تكون عديمة الأثر القانوني إلا إذا رفعت قبل مرور العدة، وهذا أمر غير متصور في الواقع العملي.
تاسعاً : الصلح بعد الحكم بإثبات الطلاق :
عملاً بنص المادة (70) من تعديلات لائحة الأقباط الأرثوذكس الحاصلة عام 2008، يجوز للزوجين الصلح بعد الحكم بإثبات طلاقهما، وبعد انتهاء عدتها شرعاً، واستئناف حياتهما الزوجية، بالشروط التالية:
أن لا يكون أحدهما قد ارتبط بزواج أخر قائماً أو ديناً أخر.
التنازل عن الصورة التنفيذية للحكم بإثبات الطلاق.
استيفاء الاجراءات الدينية التي تقضيها قوانين الكنيسة.
أن تكون موافقة المرأة قد تمت عن إرادة حرة ومختارة.
تعليقات
إرسال تعليق